سورة الحج - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{حُنَفَاء للَّهِ} مائلين عن كلِّ دين زائغٍ إلى الدِّين الحقِّ مُخلصين لله تعالى. {غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} أي شيئاً من الأشياءِ فيدخل في ذلك الأوثانُ دخولاً أوليًّا، وهما حالانِ من واو فاجتنبُوا {وَمَن يُشْرِكْ بالله} جملةٌ مبتدأةٌ مؤكِّدةٌ لما قبلها من الاجتناب عن الإشراك. وإظهارُ الاسمِ الجليلِ لإظهار كمالِ قُبح الإشراكِ {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السماء} لأنَّه مُسْقَط من أوجِ الإيمان إلى حضيض الكفرِ {فَتَخْطَفُهُ الطير} فإنَّ الأهواء المُرديةَ توزِّعُ أفكارَه. وقرئ: {فتخَطَّفه} بفتح الخاء وتشديد الطَّاءِ. وبكسرِ الخاء والطَّاء، وبكسر التَّاءِ مع كسرهما، وأصلُهما تَخْتطفُه {أَوْ تَهْوِى بِهِ الريح} أي تُسقطه وتقذفُه {فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ} بعيدٍ، فإنَّ الشَّيطانَ قد طوَّحَ به في الضَّلالةِ. وأو للتَّخييرِ كما في {أَوْ كَصَيّبٍ} أو للتَّنويعِ. ويجوزُ أنْ يكونَ من باب التَّشبيهِ المُركَّبِ فيكون المعنى: ومَن يُشرك بالله فقد هلكتْ نفسُه هلاكاً شَبيهاً بهلاكِ أحدِ الهالكينَ هنا.


{ذلك} أي الأمرُ ذلكَ أو امتثلُوا ذلك {وَمَن يُعَظّمْ شعائر الله} أي الهَدَايا فإنَّها من معالم الحجِّ وشعائرِه تعالى كما يُنبىء عنه. {والبدن جعلناها لَكُمْ مّن شعائر الله} وهو الأوفقُ لما بعده. وتعظيمُها اعتقادُ أنَّ التَّقربَ بها من أجلِّ القُرباتِ وأنْ يختارَها حِساناً سِماناً غاليةَ الأثمانِ. رُوي أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أهدى مائةَ بَدَنةٍ، فيها جملٌ لأبي جهلٍ في أنفه بُرَةٌ من ذهبٍ، وأنَّ عمرَ رضي الله عنه أهدى نَجيبةً طُلبتْ منه بثلاثمائةِ دينارٍ {فَإِنَّهَا} أي فإنَّ تعظيمَها {مِن تَقْوَى القلوب} أي من أفعال ذَوي تقوى القلوبِ فحُذفتْ هذه المضافاتُ والعائدُ إلى مَن. أو فإنَّ تعظيمَها ناشىءٌ من تقوى القلوب. وتخصيصُها بالإضافة لأنَّها مراكزُ التَّقوى التي إذا ثبتتْ فيها وتمكَّنتْ ظهر أثرُها في سائر الأعضاءِ.
{لَكُمْ فِيهَا} أي في الهَدَايا {منافع} هي درُّها ونسلُها وصوفُها وظهرُها {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} هو وقت نحرِها والتَّصدُّقُ بلحمها والأكلُ منه {ثُمَّ مَحِلُّهَا} أي وجوبُ نحرِها أو وقت نحرِها منتهيةً {إلى البيت العتيق} أي إلى ما يليهِ من الحرمِ. وثمَّ للتَّراخي الزَّمانيِّ أو الرُّتَبِّي أي لكم فيها منافعُ دنيويَّةٌ إلى وقتِ نحرِها ثمَّ منافعُ دينيَّةٌ أعظمها في النَّفعِ محلُّها أي وجوبُ نحرِها أو وقت وجوبِ نحرِها إلى البيتِ العتيقِ أي منتهيةً إليه. هذا وقد قيل المرادُ بالشَّعائرِ مناسكُ الحجِّ ومعالمُه. والمعنى لكُم فيها منافعُ بالأجر والثَّوابِ في قضاءِ المناسكِ وإقامةِ شعائرِ الحجَّ إلى أجلٍ مُسمَّى هو انقضاءُ أيَّامِ الحجِّ ثمَّ محلُّها أي محلُّ النَّاسِ من إحرامهم إلى البيتِ العتيقِ أي منتهٍ إليه بأن يطوفُوا به طوافَ الزِّيارةِ يومَ النَّحرِ بعد قضاء المناسكِ، فإضافةُ المحلِّ إليها لأدنى ملابسةٍ.
{وَلِكُلّ أُمَّةٍ} أي لكلِّ أهلِ دينٍ {جَعَلْنَا مَنسَكًا} أي مُتعبَّداً وقُرباناً يتقرَّبون به إلى الله عزَّ وجلَّ. وقرئ بكسر السِّين أي موضعُ نُسُكٍ. وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على الفعل للتَّخصيص أي لكلِّ أُمَّةٍ من الأُممِ جعلنا منسكاً لا لبعضٍ دونَ بعضٍ. {لّيَذْكُرُواْ اسم الله} خاصَّةً دون غيرِه ويجعلُوا نسيكتهم لوجهه الكريمِ عُلِّل الجعلُ به تنبيهاً على أنَّ المقصودَ الأصليَّ من المناسكِ تذكُّرُ المعبودِ. {على مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنعام} عند ذبحِها، وفيه تنبيهٌ على أنَّ القُربان يجبُ أنْ يكونَ من الأنعام. والخطابُ في قوله تعالى: {فإلهكم إله واحد} للكلِّ تغليباً. والفاءُ لترتيب ما بعدها على ما قبلَها فإنَّ جعلَه تعالى لكلِّ أُمَّةٍ من الأُمم مَنْسكاً ممَّا يدلُّ على وحدانيَّته تعالى. وإنَّما قيل إله واحدٌ ولم يُقل واحدٌ لما أنَّ المرادَ بيانُ أنَّه تعالى واحدُ في ذاتهِ كما أنَّه واحدٌ في إلهيته للكلِّ. والفاءُ في قوله تعالى: {فَلَهُ أَسْلِمُواْ} لترتيب ما بعدها من الأمر بالإسلام على وحدانيَّتهِ تعالى، وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على الأمر للقصر، أي فإذا كان إلهكم إلها واحداً فأخلصوا له التَّقرُّبَ أو الذِّكرَ واجعلُوه لوجههِ خاصَّةً ولا تشوبُوه بالشِّرك {وَبَشّرِ المخبتين} تجريدٌ للخطاب إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أي المُتواضعينَ أو المُخلِصين فإنَّ الإخباتَ من الوظائف الخاصَّةِ بهم.


{الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} منه تعالى لإشراق أشعةِ جلاله عليها {والصابرين على مَا أَصَابَهُمْ} من مشاقِّ التَّكاليفِ ومُؤناتِ النَّوائبِ. {والمقيمى الصلاة} في أوقاتها. وقرئ بنصب الصَّلاةِ على تقدير النُّونِ. وقرئ: {والمقيمينَ الصَّلاةَ} على الأصلِ. {وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} في وجوه الخيراتِ.
{والبدن} بضمِّ الباءِ وسكون الدَّالِ. وقرئ بضمِّها. وهُما جَمْعا بَدَنةٍ، وقيل الأصلُ ضمُّ الدَّالِ كخُشُبٍ وخَشَبةٍ والتَّسكينُ تخفيفٌ منه. وقرئ بتشديدِ النُّونِ على لفظِ الوقفِ. وإنَّما سُمِّيتْ بها الإبلُ لعظمِ بَدَنِها، مأخوذةٌ من بَدُنَ بَدَانةً وحيثُ شاركها البقرةُ في الإجزاءِ عن سبعةٍ بقوله صلى الله عليه وسلم: «البُدْنةُ عن سبعةٍ والبقرةُ عن سبعةٍ» جُعلا في الشَّريعةِ جنساً واحداً. وانتصابُه بمضمرٍ يفسِّرهُ: {جعلناها لَكُمْ} وقرئ بالرَّفعِ على أنَّه مبتدأٌ والجملةُ خبرُهُ. وقولُه تعالى: {مِن شَعَائِرِ الله} أي من أعلامِ دينهِ التي شرعها اللَّهُ تعالى. مفعولٌ ثانٍ للجعل. ولكُم ظرفُ لغوٍ متعلِّقٌ به. وقولُه تعالى: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} أي منافعُ دينيَّةٌ ودنيويَّةٌ. جملة مستأنفةٌ مقرِّرةٌ لما قبلها.
{فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا} بأنْ تقولُوا عند ذبحِها اللَّهُ أكبرُ لا إله إلاَّ اللَّهُ واللَّهُ أكبرُ اللهمَّ منكَ وإليكَ {صَوَافَّ} أي قائماتٍ قد صففنَ أيديهنَّ وأرجلهنَّ. وقرئ: {صَوَافنَ} من صَفن الفرسُ إذا قام على ثلاثٍ وعلى طرفِ سُنْبكِ الرَّابعةِ لأنَّ البدنةَ تُعقل إحدى يديها فتقومُ على ثلاثٍ. وقرئ: {صَوَافِنا} بإبدالِ التَّنوينِ من حرفِ الإطلاقِ عند الوقفِ. وقرئ: {صَوَافى} أي خَوَالصَ لوجهِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ. وصَوَافْ على لغة مَن يُسكِّنُ الياءَ على الإطلاق كما في قوله:
لعلِّي أرى باقْ على الحدئانِ ***
{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} سقطتْ على الأرضِ وهو كنايةٌ عن الموت {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ القانع} الرَّاضيَ بما عنده من غير مسألةٍ، ويؤيِّدهُ أنَّه قرئ: {القنع}. أو السَّائلَ من قَنع إليه قُنوعاً إذا خضعَ له في السُّؤالِ {والمعتر} أي المتعرِّضَ للسُّؤالِ. وقرئ: {المُعتري} يقال عَرّهُ وعَرَاهُ واعترَّهُ واعتراهُ {كذلك} مثلَ ذلك التَّسخيرِ البديعِ المفهوم من قوله تعالى: {سخرناها لَكُمْ} مع كمالِ عظمِها ونهايةِ قوَّتِها فلا تستعصي عليكم حتَّى تأخذوها منقادةً فتعقِلونها وتحبسونها صافَّة قوائمها ثم تطعنونَ في لبَّاتِها {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لتشكرُوا إنعامَنا عليكم بالتَّقرُّب والإخلاصِ.
{لَن يَنَالَ الله} أي لن يبلغَ مرضاتَهُ ولن يقعَ منه موقعَ القَبُولِ {لُحُومُهَا} المُتصدَّقُ بها {وَلاَ دِمَاؤُهَا} المُهَراقةُ بالنَّحر من حيثُ إنَّها لحومٌ ودماءٌ {ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ} ولكن يُصيبه تقوى قلوبِكم التي تدعُوكم إلى الامتثال بأمره تعالى وتعظيمه والتَّقرُّبِ إليه والإخلاصِ له. وقيل كانَ أهلُ الجاهليةِ يُلطِّخون الكعبةَ بدماءِ قَرَابينهم فهمَّ به المُسلمون فنزلتْ: {كذلك سَخَّرَهَا لَكُمْ} تكرير للتَّذكير والتَّعليلِ بقوله تعالى: {لِتُكَبّرُواْ الله} أي لتعرفُوا عظمتَه باقتداره على ما لا يقدرُ عليه غيرُه فتوحِّدُوه بالكبرياءِ، وقيل هو التَّكبيرُ عند الإحلالِ أو الذَّبحِ. {على مَا هَدَاكُمْ} أي أرشدَكُم إلى طريق تسخيرِها وكيفيَّة التَّقرُّبِ بها. وما مصدريةٌ أو موصولةٌ أي على هدايتِه أيَّاكم أو على ما هَدَاكُم إليه. وعلى متعلِّقةٌ بتكبِّروا لتضمُّنهِ معنى الشُّكرِ. {وَبَشّرِ المحسنين} أي المُخلصين في كلِّ ما يأتُون وما يذرُون في أمورِ دينهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8